2009-05-26

التخطيط التنموي .. إلى أين؟!

التخطيط التنموي .. إلى أين؟!

تحرص الدول المتقدمة على تحقيق التنمية البشرية والاقتصادية المُستدامة، بالتخطيط الدقيق المتأني، من خلال مراكز فكرية (وطنية)، مرموقة ومشهودٌ لها بالكفاءة 
- Think Tank -.

إن نجاح هذه الاستراتيجيات بالغة التعقيد والحساسية، يتطلب أن تضعها عقول وطنية مخلصة، تعرف كنه مجتمعها، وتدين بدينه وتخاطبه بلغته الأم.

لن تنجح الاستراتيجيات المعلبة والجاهزة، ولو عُدلت أو حُورت في محاولة مستميتة لجعلها صالحة للتصدير والاستهلاك، حتى وإن كانت العوامل المشتركة بين الشعوب المصدرة والمستوردة كثيرة، ومرد هذا أن لكل مجتمع ما يُميزه عن غيره، كما أنه لا يُتصور أن يضع المتخصصون برسم الخطط التنموية في الهند خططاً تنموية لسريلانكا.

والمتابع لوضع هيئة التخطيط التنموي التي تضطلع بمهام استراتيجية وتخطيطية في غاية الحساسية والدقة، يندهش عجباً وليس إعجاباً، عندما يعلم أن الخطط التنموية الخاصة بالوزارات، والأجهزة الحكومية الأخرى سواءً كانت قصيرة المدى، أو بعيدة المدى المُتعلقة برؤية قطر 2030، توضع بأيدٍ غير قطرية، إذ أن مدير إدارة الشئون الاجتماعية أجنبي ذو عقلية غربية.

ولا يعتبر تميز لون عينيه سواءً كانتا زرقاوين، أو خضراوين، دليلاً على تفوقه الذهني على الكفاءات القطرية، ومن هنا نريد أن نؤكد أن المجتمع القطري مجتمعٌ منفتحٌ على الآخرين، إلا أن له ما يميزه عن غيره وعلى رأس الأمر ثوابته الدينية، ولغته العربية، وثقافته المختلفة مما يجعل غير القطريين عاجزين عن وضع خطط اجتماعية ملائمة له.

وهل من المقبول أن يطلع غير القطريين على إحصاءات تتعلق بالأسر القطرية اجتماعياً؟

ألا تعتبر مثل هذه الإحصائيات في بعض الدول جزءاً من الأمن القومي؟

وأين هي خصوصية الأسرة القطرية في حال اطلاع غير القطريين على مثل هذه الإحصاءات؟

وكيف يُعقل أن يخطط لدولتنا اقتصادياً مديرون أجانب أتوا من رحم الأزمة الاقتصادية العالمية وهم صناعها، وأبطالها؟

أيعقل أن الكفاءات القطرية التي تغربت لطلب العلم والعلا في العلوم الاجتماعية والاقتصادية وحصلوا على شهادات أكاديمية عليا لا يوجد فيهم قادرون وقادرات، على الإسهام في وضع خطط اجتماعية واقتصادية تنموية لدولتهم قطر؟!

كما ان الورش التي تعقدُها الأمانة العامة للتخطيط التنموي مع الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى يستخدم فيها الأجانب - Instructors - الموجهين - اللغة الإنجليزية، وهذا يُحرج الكثير من القطريين، والقطريات المُنتدبين عن هذه الجهات، لأن منهم من لا يجيدون اللغة الإنجليزية، ويمتنعون عن التصريح بذلك، لكيلا تتم مخاطبة جهات عملهم ويتم استبدالهم بآخرين وقد يكونون (غير) قطريين، ولكنهم يجيدون اللغة الإنجليزية، ومن هنا وجب علينا ضرورة التأكيد بأن هذه الرؤية هي رؤية وطنية قطرية وليست برؤية أنجلوساكسونية لتُعرض وتناقش باللغة الإنجليزية.

ولا ندري كيف أن القائمين على مثل هذه الاجتماعات والورش، يستمرئون تجاهل لغتهم العربية الأصيلة في رؤية وطنية قطرية؟

أليس في هذا مخالفة واضحة للدستور الدائم للبلاد؟

بل إن بعض الحاضرين لاجتماعات رؤية قطر 2030 يؤكدون أن بعض القطريين العاملين في التخطيط التنموي يستخدمون اللغة الإنجليزية أثناء النقاش، وكأن لديهم عجزاً عن إيصال أفكارهم بلغتهم العربية الأم.

لقد اضطر الكثير من القطريين، إلى ترك وظائفهم بهيئة التخطيط التنموي عندما واجههم تسونامي التوظيف الأجنبي، ولم يعودوا قادرين على الصمود في وجهه، كما غاب قرار تقطير الوظائف المكتبية في الهيئة التي تعنى بالإنسان القطري أولاً وأخيراً، مع أنه توجيه صادر عن مجلس الوزراء الموقر!

ماذا يعني غياب التقطير، والاستغناء عن القطريين في هذه الهيئة التي تضع الخطط الوطنية التنموية البشرية؟

هل سيؤدي هذا إلى تعميم هذه الممارسات للتخلص من القطريين في الجهات الحكومية الأخرى؟

أليست هيئة التخطيط التنموي الحكومية هي القدوة، وهي من تضع الخُطط (الوطنية) التنموية؟!
 
 "ويل لأمة تأكل ما لا تزرع، وتلبس ما لا تصنع" وها نحن نرى تهميش بني جلدتنا وإبعادهم عن القيام بحقهم الأصيل وواجبهم الوطني للمشاركة في وضع خطط تنموية تؤسس لرفعة بلادنا.

من هنا نريد أن نسأل بكل بساطة وتجرد، هل من المعقول أن يمثل المدير الغربي ومن معه من غير القطريين الدولة في الاجتماعات الفنية بالأمانة العامة لمجلس التعاون، أو اجتماعات جامعة الدول العربية؟ هذا إن لم يمثلونا فعلاً.

هذه أسئلة تبحث عن أجوبة واضحة، وصريحة وبدون مواراة، في دولة المؤسسات والقانون والشفافية، خصوصاً وأن (ورقة الحقائق) الموجودة بموقع هيئة التخطيط التنموي الإلكتروني: http://www.gsdp.gov.qa تؤكد على أن (رؤية قطر 2030 ملك للشعب القطري، بل وتعكس أهداف وطموحات وقيم الشعب القطري).

والله من وراء القصد؛؛؛


عبدالله بن حمد العذبة
alathbi@gmail.com

المصدر الشرق 26-5-2009
http://www.al-sharq.com/articles/more.php?id=148061

ليست هناك تعليقات: