من يقرأ بدقة توجهات الحكومة، لا يستغرب تصحيح مسار جامعة قطر الذي انحرف عن جادة الصواب، إذ قال سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ولي العهد -حفظه الله- عند الفوز باستضافة مونديال 2022، ورغم أنها بطولة عالمية تعقد لأول مرة في دولة عربية: «قطر جزء صغير من أمة عربية عظيمة».
إن هذا الخطاب يعكس بوضوح أن قرار المجلس الأعلى للتعليم بعودة اللغة العربية للتكريم والصدارة في جامعة قطر ما هو إلا إحدى الترجمات الفعلية لذلك الخطاب، ويستحق منا هذا القرار الثناء والدعم، كما أنه يشعرني ويشعر كل مواطن قطري بالفخر!.
أعلم أن خبر إلغاء نظام التأسيسي في جامعة قطر واحترام اللغة العربية نزل كالصاعقة على من يريد تهميش لغتنا التي نص الدستور على أنها لغتنا الرسمية.
لقد كان القرار صفعة مدوية لمن كان يعتقد أنه يحسن صنعاً ويصر على تجاهل صوت طلبة الجامعة في حملتهم على تويتر «QuFail#».
إن احترام لغتنا هو احترام لهويتنا العربية، وتمسك بديننا الإسلامي الرائع، الذي جعله الله لأمة وسط، ولكي لا نتحول إلى ما يشبه المسخ، كما يعلم العارفون أن أسهل طريقة لاستعمار دولة هي تحطيم ثقافتها عن طريق تهميش لغتها الحاضنة لهويتها.
ومن ردود الأفعال التي رصدتها لهذا القرار الرائع ما قاله المفكر القطري د. محمد بن حامد الأحمري في تويتر: «العربية لغة جامعة قطر يتصدر صحف قطر، وهو قرار ضروري، وليكن الشعار دائماً في العالم العربي: تعلم العربية أولاً ثم ما شئت بعدها»، كما يقول: «هناك إنجليزية صينية، من يجيد الإنجليزية قد يعاني في فهمها، كما يعاني آخرون مع الإنجليزية الهندية في الهند والخليج، والإنجليزية الإفريقية في مصر»، ثم يذكر د. الأحمري نظرة الآخرين إلى من ينسلخون من لغتهم قائلاً: «كان أحد المستعمرين الفرنسيين يقول عن العرب المتفرنسين: «إنهم أميون يبربرون بلغتين» لا تبربر بلغتين تعلم لغتك وقد تبربر بأخرى».
كما أن هناك تعليقات كثيرة من مفكرين وأكاديميين على هذا القرار تشيد به داخل قطر وفي الخليج العربي، وهذا يعكس مدى ترحيب الأمة وفرحها بالعودة لهويتها.
وفي اليابان على سبيل المثال لا الحصر ستجد أن التعليم بلغتهم الأم، كما أن المنافسة شرسة لدخول جامعاتها الوطنية، ومن لا يجدون فرصة لدخولها يُبتعثون إلى أميركا وأوروبا.
لقد خسرنا أيها الكرام الكثير من الطاقات الشابة المبدعة، والتي لم تستطع فهم سبب فرض اللغة الإنجليزية كلغة تعليم في جامعة قطر، وحان الآن وقت استيعابها في جامعتنا الوطنية مرة أخرى، ليشعروا بأن دولتهم لا تتجاهلهم.
ثمة رأي وجيه آخر يعتقد بأن خريجي جامعة قطر غير المجيدين للغة الإنجليزية «الأجنبية» سيواجهون صعوبات في التحاقهم بسوق العمل، وأعتقد أن صانع السوق يستطيع أن «يفرنجه»، كما يستطيع أن يجعله يحترم هوية هذه الأمة، وأعتقد أن هذه المعالجة ضرورية واستراتيجية مع استثناء بعض التخصصات الفنية، لأننا نريد أن نحافظ على ما تبقى من هويتنا العربية والإسلامية، كما نطمح إلى قرارات تصحيحية أخرى.
إن دولة قطر ليست دولة بلا هوية، بل وتدار على أسس واضحة، في حين أن إمارة دبي اختارت أن تكون بلا هوية، ويشعر الفتى العربي فيها بأنه غريب الوجه واليد واللسان، فهي تعاني من تراكم الشحوم التي سببت لها ترهلاً في الهوية والثقافة يصعب علاجه، ولكن هذا لا يعني أنه يستحيل فعل ذلك.
أيها الكرام، أعترف أنني متطرف في احترام لغتي وديني، ولست ضد تعلم لغات أخرى أو وجود جامعات أجنبية في قطر، وفي الآن ذاته أرفض أن تكون لغة التعليم في جامعتنا الوطنية الوحيدة أجنبية، وأعتقد أن جامعة قطر يجب أن تحظى بدعم حقيقي مادي ومعنوي يجعلها منارة علمية تفتخر بها الدولة وبمخرجاتها؛ لأن خريج جامعة ييل الأميركية المتميزة، وإن كان قطرياً، ستفتخر به الأخيرة وستمنّ علينا بأنه من خريجيها.
وكم كان رائعاً تشريف سمو الأمير -حفظه الله- حفل تخريج جامعتنا الوطنية الأخير، وكم نشعر بالفخر لقرار المجلس الأعلى للتعليم الذي يعيد جامعة قطر لمسارها الصحيح، ولا لتغريب لغة تعليمنا، كما أننا لا نحتاج إلى تكليف جهات أجنبية لتقييمنا، أو إخبارنا بما يجب فعله، لأننا أعلم بأنفسنا، وكما يقول صديقي عبد العزيز آل محمود: «المبدعون بيننا، ولكن إبداعاتهم يقتلها اليأس، والفساد، وسوء الإدارة، ولو وجدنا حلولاً لها، لوجدناهم هناك في المقدمة».
أيها السيدات والسادة إنني ألاحظ أن صانع القرار يسمعنا ويستجيب بحكمة، فشكراً له!.
والله من وراء القصد؛؛؛
المصدر العرب الأحد الموافق 29-1-2012
http://www.alarab.qa/details.php?issueId=1507&artid=170174
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق